فصل: تفسير الآية رقم (16):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآية رقم (165):

{وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165)}
{وَإِنَّا لَنَحْنُ الصآفون} أي الواقفون في العبادة صفوفاً، ولذلك أمر المسلمون بتسوية الصفوف في صلاتهم ليقتدوا بالملائكة، وليس أحد من أهل الملل يصلون صفوفاً إلا المسلمون.

.تفسير الآية رقم (166):

{وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)}
{وَإِنَّا لَنَحْنُ المسبحون} قيل: معناه القائلون سبحان الله، وفي هذا الكلام الذي قالته الملائكة رد على من قال: إنهم بنات الله وشركاء له، لأنهم اعترفوا على أنفسهم بالعبودية والطاعة لله والتنزيه له، ويدل هذا الكلام أيضاً على أن المراد بالجن قبل هذا الملائكة، وقيل: إنه هذا كله من كلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وكلام المسلمين، والأول أشهر.

.تفسير الآيات (167- 168):

{وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168)}
{وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ * لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنَ الأولين} الضمير لكفار قريش وسائر العرب، والمعنى أنهم كانوا قبل بعث محمد صلى الله عليه وسلم يقولون: أو أرسل الله إلينا رسولاً وأنزل علينا كتاباً لكنا عباد الله المخلصين.

.تفسير الآية رقم (170):

{فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170)}
{فَكَفَرُواْ بِهِ} الضمير للذكر، أو لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لأن المعنى يقتضي ذلك وإن لم يتقدم له ذكر {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} تهديد ووعيد لهم على كفرهم.

.تفسير الآيات (171- 172):

{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172)}
{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين * إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون} المعنى سبق القضاء بأن المرسلين منصورون على أعدائهم.

.تفسير الآية رقم (173):

{وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)}
{وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون} هذا النصر والغلبة بظهور الحجة والبرهان، وبهزيمة الأعداء في القتال، وبالسعادة في الآخرة.

.تفسير الآية رقم (174):

{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174)}
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حتى حِينٍ} أي أعرض عنهم، وذلك موادعة منسوخة بالسيف، والحين هنا يراد به يوم بدر، وقيل: حضور آجالهم، وقيل: يوم القيامة.

.تفسير الآيات (175- 177):

{وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177)}
{وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} هذا وعد النبي صلى الله عليه وسلم ووعيد لهم {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} إشارة إلى قولهم {متى هَذَا الوعد}؟ {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء} [الأنفال: 32] وشبه ذلك {فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ} الساحة: الفِناء حول الدار، والعرب تستعمل هذه اللفظة فيما يرد على الإنسان من محظور وسوء {فَسَآءَ صَبَاحُ المنذرين} الصباح مستعمل في ورورد الغارات والرزايا، ومقصد الآية التهديد بعذاب يحل بهم بعد أن أنذروا، فلم ينفعهم الإنذار، وذلك تمثيل أنذرهم ناصح بأن جيشاً يحل بهم فلم يقبلوا نصحه، حتى جاءهم الجيش وأهلكهم.

.تفسير الآية رقم (179):

{وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179)}
{وَأَبْصِرْ} كرر الأم بالتولي عنهم والوعد والوعيد على وجه التأكيد، وقيل: أراد بالوعيد الأول عذاب الدنيا، والثاني عذاب الآخرة، فإن قيل: لم قال أولاً أبصرهم، وقال هنا: أبصر، فحذف الضمير المفعول؟ فالجواب من وجهين: أحدهما أنه اكتفى بذكره أولاً عن ذكره ثانياً فحذفه اقتصاراً، والآخر أنه حذفف ليفيد العموم فيمن تقدم وغيرهم كأنه قال: أبصر جميع الكفار بخلاف الأول، فإنه من قريش خاصة.

.تفسير الآيات (180- 182):

{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)}
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزة عَمَّا يَصِفُونَ} نزه الله تعالى نفسه عما وصفه به الكفار مما لا يليق به، فإنه حكى عنهم في هذه السورة أقوالاً كثيرة شنيعة، والعزة إن أراد بها عزة الله: فمعنى رب العزة، ذو العزة وأضافها إليه لاختصاصه بها، وإن أراد بها عزة الأنبياء والمؤمنين: فمعنى رب العزة مالكها وخالقها، ومن هذا قال محمد بن سحنون: من حلف بعزة الله، فإن أراد صفة الله فهي يمين، وإن أراد العزة التي أعطى عباده فليست بيمين، ثم ختم هذه السورة بالسلام على المرسلين {والحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} فأما السلام على المرسلين فيحتمل أن يريد التحية أو سلامتهم من أعدائهم، ويكون ذلك تكميلاً لقوله: {إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون} [الصافات: 182]، وأما الحمد لله، فيحتمل أن يريد به الحمد لله على ما ذكر في هذه السورة من تنزيه الله ونصرة الأنبياء وغير ذلك، ويحتمل أن يريد الحمد لله على الاطلاق.

.سورة ص:

.تفسير الآية رقم (1):

{ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1)}
{ص} تكلمنا على حروف الهجاء في البقرة، ويختص بهذا أنه قال فيه: معناه صدق محمد، وقيل: هو حرف من اسم الله الصمد أو صادق الوعد، أو صانع المصنوعات {والقرآن ذِي الذكر} هذا قسم جوابه محذوف تقديره: إن القرآن من عند الله، وإن محمداً لصادق وشبه ذلك. وقيل: جوابه في قوله: {ص} إذ هو بمعنى صدق محمد، وقيل: جوابه الآتي {إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرسل} [ص: 14] وهذا بعيد، وقيل: جوابه {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النار} [ص: 64] وهذا أبعد، ومعنى ذي الذكر: الشرف والذكر بمعنى الموعظة، أو ذكر الله وما يحتاج إليه من الشريعة.

.تفسير الآية رقم (2):

{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2)}
{بَلِ الذين كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} الذين كفروا يعني قريشاً، وبل للإضراب عن كلام محذوف، وهو جواب القسم أي: إن كفرهم ليس ببرهان بل هو بسبب العزة والشقاق، والعزة التكبر، والشقاق: العداوة وقصد المخالفة، وتنكيرهما للدلالة على شدتهما، وتفاخم الكفار فيهما.

.تفسير الآية رقم (3):

{كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3)}
{كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ} إخبار يتضمن تهديداً لقريش {فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ} المعنى أن القرون الذين هلكوا دعوا واستغاثوا حين لم ينفعهم ذلك، ولات بمعنى: ليس وهي لا النافية زيدت عليها علامة التأنيث، كما زيدت في رُبَّتَ وثمة، ولا تدخل لات إلا على زمان، واسمها مضمر، وحين مناص خبرها، والتقدير: ليس الحين الذين دعوا فيه حين مناص، والمناص المفرّ والنجاة من قولك: ناص ينوص إذ فرّ.

.تفسير الآيات (4- 5):

{وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)}
{وعجبوا أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ} الضمير لقريش، والمنذر سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أي استبعدوا أن يبعث الله رسولاً منهم، ويحتمل أن يريد من قبيلتهم، أو يريد من البشر مثلهم {وَقَالَ الكافرون} كان الأصل وقالوا؛ ولكن وضع الظاهر موضع المضمر قصداً لوصفهم بالكفر {أَجَعَلَ الآلهة إلها وَاحِداً} هذا إنكار منهم للتوحيد، وسبب نزول هذه الآيات «أن قريشاً اجتمعوا وقالوا لأبي طالب: كُفَّ ابن أخيك عنا، فإنه يعيب ديننا ويذم آلهتنا ويسفه أحلامنا. فكلمه أبو طالب في ذلك، فقال: صلى الله عليه وسلم: إنما أريد منهم كلمة واحدة يملكون بها العجم، وتدين لهم بها العرب، فقالوا: نعم وعشر كلمات معها. فقال: قولوا لا إله إلا الله، فقاموا وأنكروا ذلك وقالوا: {أَجَعَلَ الآلهة إلها وَاحِداً}».

.تفسير الآية رقم (6):

{وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6)}
{وانطلق الملأ مِنْهُمْ أَنِ امشوا وَاْصْبِرُواْ} انطلاق الملأ عبارة عن خروجهم عن أبي طالب وقيل: عبارة عن تفرّقهم في طرق مكة وإشاعتهم للكفر، وأن امشوا: معناه يقول بعضهم لبعض: امشوا واصبروا على عبادة آلهتكم، ولا تطيعوا محمداً فيما يدعو إليه من عبادة الله وحده {إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرَادُ} هذا أيضاً مما حكى الله من كلام قريش، وفي معناه وجهان: أحدهما إن الإشارة إلى الإسلام والتوحيد، أي إن هذا التوحيد شيء يراد به الإنقياد إليه، والآخر أن الإشارة إلى الشرك والصبر على آلهتهم، أي إن هذا التوحيد الشيء ينبغي أن يراد ويتمسك به، أو أن هذا شيء يريده الله منا لما قضى علينا من الأول أرجح، لأن الإشارة فيما بعد إليه فيكون الكلام على نسق واحد.

.تفسير الآية رقم (7):

{مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7)}
{مَا سَمِعْنَا بهذا في الملة الآخرة} هذا أيضاً مما حكى الله عنهم من كلامهم، أي ما سمعنا بالتوحيد في الملة الآخرة، والمراد بالملة الآخرة ملة النصارى، لأنها بعد ذلك ملة موسى وغيره وهم يقولون بالتثليث لا بالتوحيد، وقيل: المراد ملة قريش أي ما سمعنا بهذا في الملة التي أدركنا عليها آباءنا، وقيل: المراد الملة المنتظرة إذ كانوا يسمعون من الأحبار والكهان أن رسولاً يبعث يكون آخر الأنبياء {إِنْ هذا إِلاَّ اختلاق} هذا ايضاً مما حُكى من كلامهم، والإشارة إلى التوحيد والإسلام، ومعنى الاختلاق الكذب.

.تفسير الآية رقم (8):

{أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8)}
{أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذكر مِن بَيْنِنَا} الهمزة للإنكار، والمعنى أنهم أنكروا أن يخص الله محمداً صلى الله عليه وسلم بإنزال القرآن عليه دونهم {بَلْ هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي} هذا ردّ عليهم، والمعنى أنهم ليست لهم حجة ولا برهان، بل هم في شك من معرفة الله وتوحيده، فلذلك كفروا، ويحتمل أن يريد بالذكر القرآن {بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ} هذا وعيد لهم وتهديد، والمعنى أنهم إنما حملهم على الكفر كونهم لم يذوقوا العذاب، فإذا ذاقوه زال عنهم الشك وأذعنوا للحق.

.تفسير الآية رقم (9):

{أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9)}
{أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ العزيز الوهاب} هذا ردّ عليهم فيما أنكروا من اختصاص محمد صلى الله عليه وسلم بالنبوة، والمعنى أنهم ليس عندهم خزائن رحمة الله، حتى يعطوا النبوة من شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا، بل يعطيها الله لمن يشاء، ثم وصف نفسه بالعزيز يفعل ما يشاء والوهاب ينعم على من يشاء فلا حجة لهم فيها أنكروا.

.تفسير الآية رقم (10):

{أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (10)}
{أَمْ لَهُم مُّلْكُ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} هذا أيضاً ردّ عليهم، والمعنى: أم لهم الملك فيتصرفون فيه كيف شاؤوا، بل مالك الملك يفعل في ملكه ما يشاء، وأم الأولى منقطعة بمعنى بل وهمزة الإنكار، وأما أم الثانية فيحتمل أن تكون كذلك، أو تكون عطافة معادلة لما قبلها {فَلْيَرْتَقُواْ في الأسباب} هذا تعجيز لهم، وتهكم بهم، ومعنى يرتقوا يصعدوا، والأسباب هنا السلالم الطرق، وشبه ذلك ما يوصل به إلى العلو، وقيل: هي أبواب السماء، والمعنى إن كان لهم ملك السموات والأرض فليصعدوا إلى العرش ويدبروا الملك.

.تفسير الآية رقم (11):

{جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (11)}
{جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن الأحزاب} هذا وعيد بهزيمتهم في القتال، وقد هزموا يوم بدر وغيره، و{مَّا هُنَالِكَ} صفة لجند، وفيها معنى التحقير لهم، والإشارة بهنالك إلى حيث وصفوا أنفسهم من الكفر والاستهزاء، وقيل: الإشارة إلى الارتقاء في الأسباب وهذا بعيد؛ وقيل الإشارة إلى موضع بدر، ومن الأحزاب معناه من جملة الأحزاب الذين تعصبوا للباطل فهلكوا.

.تفسير الآيات (12- 13):

{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13)}
{وفِرْعَوْنُ ذُو الأوتاد} قال ابن عباس: كانت له أوتاد وخشب يلعب بها وعليها، وقيل: كانت له أوتاد يسمرها في الناس لقتلهم، وقيل: أراد المباني العظام الثابتة، ورجحه ابن عطية، وقال الزمخشري: إن ذلك استعارة في ثبات الملك كقول القائل: في ظل ملك ثابت الأوتاد {وَأَصْحَابُ لْئَيْكَةِ} قد ذكر [الحجر: 78، والشعراء: 176].

.تفسير الآية رقم (15):

{وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15)}
{وَمَا يَنظُرُ هؤلاءآء إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً} ينظر هنا بمعنى ينتظر، وهؤلاء يعني قريشاً، والصيحة الواحدة النفخة في الصور وهي نفخة الصعق، وقيل: الصحية عبارة عما أصابهم من قتل أو شدة، والأول أظهر، وقد روي تفسيرها بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم {مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ} فيه ثلاثة أقوال: الأول مالها رجوع أي لا يرجعون بعدها إلى الدنيا، وهو على هذا مشتق من الإفاقة، الثاني ما لها من ترداد: أي إنما هي واحدة لا ثانية لها: الثالث مالها من تأخير ولا توقف مقدار فواق ناقة وهي ما بين حلبتي اللبن، وهذا القول الثالث إنما يجري على قراءة فُواق بالضم لأن فواق الناقة بالضم، والقولان الأولان على الفتح والضم.

.تفسير الآية رقم (16):

{وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16)}
{وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا} القط في اللغة له معنيان: أحدها: الكتاب، والآخر: النصيب، وفي معناه هنا ثلاثة أقوال: أحدهما نصيبنا من الخير: أي دعو أن يعجله الله لهم في الدنيا والآخر: نصيبهم من العذاب، فهو كقولهم: {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء} [الأنفال: 32]. الثالث: صحائف أعمالنا.

.تفسير الآيات (17- 18):

{اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18)}
{اصبر على مَا يَقُولُونَ واذكر عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأيد إِنَّهُ أَوَّابٌ} الأيد القوة، وكان داود جمع قوة البدن وقوة الدين والملك والجنود، والأواب: الرجاع إلى الله، فإن قيل: ما المناسبة بين أمر الله لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالصبر على أقوال الكفار وبين أمره له بذكر داود؟ فالجواب عندي أن ذكر داود ومن بعده من الآنبياء في هذه السورة فيه تسلية للنبي صلى لله عليه وسلم، وووعد له بالنصر وتفريج الكرب، وإعانة له على ما أمر به من الصبر، وذلك أن الله ذكر ما أنعم به على داود من تسخير الطير والجبال، وشدّة ملكه، وإعطائه الحكمة وفصل الخطاب، ثم الخاتمة له في الآخرة بالزلفى وحسن المآب، فكأنه يقول: يا محمد كما أنعمنا على داود بهذه النعمم كذلك ننعم عليك، فاصبر ولا تحزن على ما يقولون، ثم ذكر ما أعطى سليمان من الملك العظيم، وتسخير الريح والجن والخاتمة بالزلفى وحسن المآب، ثم ذكر من ذكر بعد ذلك من الأنبياء. والمقصد: ذكر الإنعام عليهم لتقوية قلب النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضاً فإن داود وسليمان وأيوب أصابتهم شدائد ثم فرّجها الله عنهم، وأعقبها بالخير العظيم، فأمر سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم بذكرهم، ليعلمه أنه يفرج عنه ما يلقى من إذاية قومه، ويعقبها بالنصر والظهور عليهم، فالمناسبة في ذلك ظاهرة وقال ابن عطية: المعنى: اذكر داود ذا الأيدي في الدين فتأسَّ به وتأيد كما تأيد، وأجاب الزمخشري: عن السؤال فإنه قال: كأن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: اصبر على ما يقولون، وعظم أمر المعصية في أعين الكفار بذكر قصة داود، وذلك أنه نبي كريم عند الله ثم زلَّ زلة فوبخه الله عليها فاستغفر وأناب، فما الظن بكم مع كفركم ومعاصيكم؛ وهذا الجواب لا يخفى ما فيه من سوء الأدب مع داود عليه السلام حيث جعله مثالاً يهدد الله به الكفار، وصرح بأنه زل وأن الله وبخه على زلته، ومعاد الله من ذكر الأنبياء بمثل هذا {والإشراق} يعني: وقت الإشراق وهو حين تشرق الشمس، وأي تضيء ويصفر شعاعها وهو وقت الضحى، وأما شروقها فطلوعها.